تعد الزكاة من أركان الإسلام الخمس، وهي فريضة إلهية عظيمة شرعها الله عز وجل لتطهير النفس من الشح، وتزكية المال وتنميته، وقد اتفقت دراسة نشرها الباحث مصطفي النجار بعنوان ” الزكاة بين القرآن وكتب التراث” مع مقال المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي ” لمن تصرف الزكاة” حيث اشارت الدراسة الى أن القيمة الحقيقية للزكاة وفق القرآن ليست ما اتفقت عليه كتب التراث والمقدرة ب 2.5 في المائة من اجمالي ما حال عليه الحول
يستهل النجار دراسته بتصحيح المفهوم اللغوي لكلمة “الزكاة”، مؤكدًا أنها لا تعود إلى الفعل “زكا” أو “زكى” الدالين على النماء والطهارة، بل إلى معنى “صفوة الشيء” و”أفضله”، مشيرًا إلى أن الزكاة في القرآن الكريم تأتي غالبًا مقترنة بالفعل “أتى”، ما يدل على عمل صالح وإيتاء ما هو أفضل.
النجار يُلقي الضوء على الربط القرآني بين الصلاة والزكاة، موضحًا أنهما تمثلان جناحي العبادة؛ الصلاة تعنى بالجانب الروحي والزكاة بالجانب المادي من خلال الأعمال الصالحة، ومن ضمنها إعطاء المال للفقراء والمحتاجين.
يشدد البحث على أن الزكاة، حسب المنظور القرآني، تعدو كونها مجرد فريضة مالية لتشمل الأعمال الصالحة بمفهومها الواسع، وهو ما يؤكده استخدام اللفظ “صدقة” في بعض الآيات بدلاً من “زكاة”، لتحث على التطهير والتزكية بمعنى أرقى وأشمل.
يتطرق النجار كذلك إلى التحديات التي واجهت مفهوم الزكاة عبر التاريخ، بما في ذلك الاعتماد المفرط على الأحاديث النبوية في تفسير النص القرآني وتأثير ذلك على تغييب المعاني القرآنية الأصيلة للزكاة. ينتقد البحث بشدة محاولات تقييد الزكاة بالمال فقط، معززًا وجهة نظره بالإشارة إلى آيات قرآنية تدعم مفهوم الزكاة كعمل صالح ينبغي أن يمارسه المسلمون بانتظام، لا فقط عبر المعونات المالية.
يبرز البحث الذي أجراه النجار أهمية إعادة النظر في تطبيق مبادئ الزكاة وتعاليمها في المجتمعات المسلمة المعاصرة. من خلال التأكيد على الأسس القرآنية للزكاة، يحث النجار على تبني نهج أكثر شمولية يتجاوز الجوانب المالية ليشمل تعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية.
النجار يطالب بضرورة الاستفادة من الزكاة كأداة للتقدم الاجتماعي والاقتصادي، مؤكدًا أن الزكاة، في جوهرها، تهدف إلى تحقيق التوازن والعدالة في المجتمع. من هذا المنطلق، يدعو إلى تطوير آليات فعّالة لجمع وتوزيع الزكاة تضمن وصولها إلى مستحقيها وتسهم في معالجة الفقر والحاجة.
البحث يشير أيضًا إلى الحاجة الماسة لتعليم وتوعية المسلمين حول مفهوم الزكاة الأصيل ودورها في بناء مجتمع متكافل ومتعاضد. يوصي النجار بإدراج الزكاة ضمن البرامج التعليمية والخطب الدينية بشكل يبرز دورها كعمل صالح يتجاوز الأبعاد المادية ليشمل تعزيز الروابط الاجتماعية والمسؤولية المجتمعية.
كما يؤكد الباحث ان القولُ بأنَّ الإسلام قد حدد الأموال التي تَجِبُّ فيه الزكاة والحد الأدنى لها ونصابها المقدر باثنين ونصف بالمائة ، وأنها تَجِّبُ في المال كلما حال عليه الحول، اثنا عشر شهراً، لا أصل له في التنزيل الحكيم، قائلا “عندنا محل تحفظ وحذر شديدين، فالأيآت واضحة، وصريحة، ومتعددة، وهي تحصر مفردة الزكاة “بزكاة النفس” فقط. لقوله تعالى: خُذْ مِنْ ((أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ((وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)) (التوبة: 102-103) وقوله تعالى: وَمَنْ تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا ((يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِه))ِ (فاطر: 18) ما نقطعُ به ونريدُ أن نؤكد عليه بأنَّ “صدقة الزكاة” تَجُبُّ ((في كل مرةٍ)) يخلطُ فيها المسلمُ عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وبما تجودُ به نفسه، ومن دون الانتظار اثنا عشر شهراً، هذا من جهة، ومن جهة ثانية الجهات التي تُصرف فيها “صدقة الزكاة” ليست على إطلاقها، ويمكن رؤيتها بوضوح تام في قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم (التوبة: 60) (1) الفقراء (2) المساكين (3) العاملين عليها (4) المؤلفة قلوبهم (5) الرقاب (6) الغارمين (7) في سبيل الله ( ابن السبيل.
في الختام، يسلط النجار الضوء على أهمية الزكاة كفريضة إسلامية تعكس روح الإسلام في الرحمة والعطاء والتعاون. يؤكد على أن فهم الزكاة بمعناها الأوسع يفتح آفاقًا جديدة للعمل الصالح، ويعزز من الوعي بضرورة الإسهام في بناء مجتمعات أكثر عدالة وتكافؤًا. من خلال هذا البحث، يدعو النجار المسلمين إلى التأمل في معاني الزكاة العميقة وتبني ممارسات تعكس جوهرها كعبادة تجمع بين العطاء المادي والروحي، مؤكدًا على دور الزكاة في تعزيز السلام والتآخي بين البشر.
ويدعو النجار إلى إعادة تقييم شاملة لمفهوم الزكاة ضمن السياق الإسلامي، مؤكدًا على ضرورة الفهم العميق للنص القرآني والابتعاد عن التفسيرات الضيقة التي قد تحجب الأبعاد الروحية والإنسانية العميقة لهذه الفريضة.